الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والمِؤُون أعظم من الشَّنَق، فبدأ بالأقل قبل الأعظم.قال المفسرون: ومقصود الآية: أن الله تعالى أبان نعمه عليهم حيث أخرجهم جهّالًا بالأشياء، وخلق لهم الآلات التي يتوصلون بها إِلى العلم.قوله تعالى: {مسخرات في جو السماء} قال الزجاج: هو الهواء البعيد من الأرض.قوله تعالى: {ما يُمسِكُهُنَّ إِلاَّ الله} فيه قولان:أحدهما: ما يمسكهنَّ عند قبض أجنحتهن وبسطِها أن يَقَعْنَ على الأرض إِلا الله، قاله الأكثرون.والثاني: ما يُمسكهنَّ أن يرسِلن الحجارة على شرار هذه الأمة، كما فُعِلَ بغيرهم، إِلا الله، قاله ابن السائب.قوله تعالى: {والله جعل لكم من بيوتكم سَكَنًا} أي: موضعًا تسكنون فيه، وهي المساكن المتَّخَذة من الحجر والمدر تستر العورات والحُرَم، وذلك أن الله تعالى خلق الخشب والمدر والآلة التي بها يمكن بناء البيت وتسقيفه، {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا} وهي القباب والخيم المتخذة من الأدم {تستخفُّونها} أي: يخفُّ عليكم حملها {يوم ظعنكم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو {ظَعَنِكُم} بفتح العين.وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي بتسكين العين، وهما لغتان، كالشَّعَر والشَّعْر، والنَّهَرِ والنَّهْرِ، والمعنى: إِذا سافرتم، {ويوم إِقامتكم} أي: لا تثقل عليكم في الحالين.{ومن أصوافها} يعني: الضأن {وأوبارها} يعني: الإِبل {وأشعارها} يعني: المعز {أثاثًا} قال الفراء: الأثاث: المتاع، لا واحد له، كما أن المتاع لا واحد له.والعرب تقول: جمع المتاع أمتعه، ولو جمعت الأثاث، لقلت: ثلاثة أإِثَّةٍ، وأُثُث: مثل أعثة وغُثث لا غير.وقال ابن قتيبة: الأثاث: متاع البيت من الفرش والأكسية.قال أبو زيد: واحد الأثاث: أثاثة.وقال الزجاج: يقال: قد أثَّ يَأَث أَثًّا: إِذا صار ذا أثاث.وروي عن الخليل أنه قال: أصله من الكثرة واجتماع بعض المتاع إِلى بعض، ومنه: شَعَر أثيث.فأما قوله: {ومتاعًا} فقيل: إِنما جمع بينة وبين الأثاث، لاختلاف اللفظين.وفي قوله: {إِلى حين} قولان:أحدهما: أنه الموت، والمعنى: ينتفعون به إِلى حين الموت، قاله ابن عباس، ومجاهد.والثاني: أنه إِلى حين البلى، فالمعنى: إِلى أن يَبلى ذلك الشيء، قاله مقاتل.قوله تعالى: {والله جعل لكم مما خلق ظِلالا} أي: مايقيكم حر الشمس، وفيه خمسة أقوال:أحدها: أنه ظلال الغمام، قاله ابن عباس.والثاني: ظلال البيوت، قاله ابن السائب.والثالث: ظلال الشجر، قاله قتادة، والزجاج.والرابع: ظلال الشجر والجبال، قاله ابن قتيبة.والخامس: أنه كل شيء له ظل من حائط، وسقف، وشجر، وجبل، وغير ذلك، قاله أبو سليمان الدمشقي.قوله تعالى: {وجعل لكم من الجبال أكنانًا} أي: مايَكُنُّكم من الحرِّ والبرد، وهي الغيران والأسراب.وواحد الأكنان كِنّ وكل شيء وقى شيئًا وستره فهو كِنّ {وجعل لكم سرابيل} وهي القُمُص {تقيكم الحر} ولم يقل: البرد، لأن ماوقى من الحر، وقى من البرد، وأنشد:
وقال الزجاج: إِنما خص الحرَّ، لأنهم كانوا في مكاناتهم أكثر معاناةً له من البرد، وهذا مذهب عطاء الخراساني.قوله تعالى: {وسرابيل تقيكم بأْسكم} يريد الدروع التي يتَّقون بها شدّة الطعن والضرب في الحرب.قوله تعالى: {كذلك يتم نعمته عليكم} أي: مثلما أنعم الله عليكم بهذه الأشياء، يتم نعمته عليكم في الدنيا {لعلكم تُسلِمون} والخطاب لأهل مكة، وكان أكثرهم حينئذٍ كفارًا، ولو قيل: إِنه خطاب للمسلمين، فالمعنى: لعلكم تدومون على الإِسلام، وتقومون بحقه.وقرأ ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وأبو رجاء: {لعلكم تَسلَمون} بفتح التاء واللام، على معنى: لعلكم إِذا لبستم الدروع تَسلَمون من الجراح في الحرب.قوله تعالى: {فإن تَولَّوا} أعرضوا عن الإِيمان {فإنما عليك البلاغ المبين} وهذه عند المفسرين منسوخة بآية السيف.قوله تعالى: {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها} وفي هذه النعمة قولان:أحدهما: أنها المساكن نعم الله عز وجل عليهم في الدنيا.وفي إِنكارها ثلاثة أقوال:أحدها: أنهم يقولون: هذه ورثناها عن آبائنا.روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نِعَم الله: المساكن، والأنعام، وسرابيل الثياب، والحديد، يعرفه كفار قريش، ثم ينكرونه بأن يقولوا: هذا كان لآبائنا ورثناه عنهم، وهذا عن مجاهد.والثاني: أنهم يقولون: لولا فلان، لكان كذا، فهذا إِنكارهم، قاله عون بن عبد الله.والثالث: يعرفون أن النعم من الله، ولكن يقولون: هذه بشفاعة آلهتنا، قاله ابن السائب، والفراء وابن قتيبة.والثاني: أن المراد بالنعمة هاهنا: محمد صلى الله عليه وسلم يعرفون أنه نبيٌّ ثم يكذِّبونه، وهذا مروي عن مجاهد، والسدي، والزجاج.قوله تعالى: {وأكثرهم الكافرون} قال الحسن: وجميعهم كفار، فذكر الأكثر، والمراد به الجميع.قوله تعالى: {ويوم نبعث من كل أُمةٍ شهيدًا} يعني: يوم القيامة، وشاهد كلِّ أُمةٍ نبيُّها يشهد عليها بتصديقها وتكذبيها، {ثم لا يؤذَن للذين كفروا} في الاعتذار {ولا هم يُستعتبون} أي: لا يُطلب منهم أن يرجعوا إِلى ما أمر الله به، لأن الآخرة ليست بدار تكليف.قوله تعالى: {وإِذا رأى الذين ظَلموا} أي: أشركوا {العذاب} يعني: النار {فلا يخفف عنهم} العذاب {ولا هم يُنظرون} لا يؤخَّرون، ولا يمهلون.{وإِذا رأى الذين أشركوا شركاءهم} يعني: الأصنام التي جعلوها شركاء لله في العبادة، وذلك أن الله يبعث كل معبود من دونه، فيقول المشركون: {ربَّنا هؤلاء شركاؤنا الذِين كنا ندعو} أي: نعبد من دونك.فإن قيل: فهذا معلوم عند الله تعالى، فما فائدة قولهم: {هؤلاء شركاؤنا}؟ فعنه جوابان:أحدهما: أنهم لما كتموا الشرك في قولهم: واللهِ ما كنا مشركين، عاقبهم الله تعالى باصمات ألسنتهم، وإِنطاق جوارحهم، فقالوا عند معاينه آلهتهم: {رنبا هؤلاء شركاؤنا} أي: قد أقررنا بعد الجحد، وصدَّقنا بعد الكذب، التماسًا للرحمة، وفرارًا من الغضب، وكأنَّ هذا القول منهم على وجه الاعتراف بالذنْب، لا على وجه إِعلام من لا يعلم.والثاني: أنهم لما عاينوا عِظَم غضب الله تعالى قالوا: هؤلاء شركاؤنا، تقديرَ أن يعود عليهم من هذا القول روح، وأن تلزم الأصنام إِجرامهم، أو بعض ذنوبهم إِذْ كانوا يدَّعون لها العقل والتمييز، فأجابتهم الأصنام بما حسم طمعهم.قوله تعالى: {فألقَوا إِليهم القول} أي: أجابوهم وقالوا لهم {إِنكم لكاذبون} قال الفراء: ردت عليهم آلهتهم قولهم.وقال أبو عبيدة: {فألقوا} أي: قالوا لهم.يقال: ألقيت إِلى فلان كذا.أي: قلت له.قال العلماء: كذَّبوهم في عبادتهم إِياهم، وذلك أن الأصنام كانت جمادًا لا تعرف عابديها، فظهرت فضيحتهم يومئذٍ إِذْ عبدوا مَن لم يعلم بعبادتهم، وذلك كقوله: {سيكفرون بعبادتهم} [مريم: 83].قوله تعالى: {وأَلقَوا إِلى الله يومئذٍ السَّلَم} المعنى: أنهم استسلموا له.وفي المشار إِليهم قولان: أحدهما: أنهم المشركون، قاله الأكثرون.ثم في معنى استسلامهم.قولان: أحدهما: أنهم استسلموا له بالإِقرار بتوحيده وربوبيته.والثاني: أنهم استسلموا لعذابه.والثاني: أنهم المشركون والأصنام كلُّهم.قال الكلبي: والمعنى: أنهم استسلموا لله منقادين لحُكمه.قوله تعالى: {وضل عنهم ما كانوا يفترون} فيه قولان:أحدهما: بَطَل قولهم أنها تشفع لهم.والثاني: ذهب عنهم ما زيَّن لهم الشيطان أن لله شريكًا وولدًا.قوله تعالى: {الذين كفروا وصُّدوا عن سبيل الله} قال ابن عباس: منعوا النَّاس من طاعة الله والإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.قوله تعالى: {زدناهم عذابًا فوق العذاب} إِنما نكَّر العذاب الأول، لأنه نوع خاص لقوم بأعيانهم، وعرَّف العذاب الثاني، لأنه العذاب الذي يعذَّب به أكثر أهل النار، فكان في شهرته بمنزلة النار في قول القائل: نعوذ بالله من النار، وقد قيل: إِنما زِيدوا هذا العذاب على ما يستحقونه من عذابهم، بصدِّهم عن سبيل الله.وفي صفة هذا العذاب الذي زِيدوا أربعة أقوال:أحدها: أنها عقارب كأمثال النخل الطوال، رواه مسروق عن ابن مسعود.والثاني: أنها حيَّات كأمثال الفِيَلَة، وعقارب كأمثال البغال، رواه زرٌّ عن ابن مسعود.والثالث: أنها خمسة أنهار من صُفْر مُذَابٍ تسيل من تحت العرش يعذَّبون بها.ثلاثة على مقدار الليل، واثنان على مقدار النهار، قاله ابن عباس.والرابع: أنه الزمهرير، ذكره ابن الأنباري.قال الزجاج: يخرجُون من حرِّ النار إِلى الزمهرير، فيتبادرون من شدة برده إِلى النار.قوله تعالى: {وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء} وفي المشار إِليهم قولان:أحدهما: أنهم قومه، قاله ابن عباس.والثاني: أُمَّته، قاله مقاتل.وتم الكلام هاهنا.ثم قال: {ونزَّلنا عليك الكتاب تبيانًا} قال الزجاج: التبيان: اسم في معنى البيان.فأما قوله تعالى: {لكل شيء} فقال العلماء بالمعاني: يعني: لكل شيء من أمور الدين، إِما بالنص عليه، أو بالإِحالة على ما يوجب العلم، مثل بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إِجماع المسلمين. اهـ.
|